قصص الأنبياء (29): نبي الله زكريا -عليه السلام- تعرف على سبب


03:07 م


الجمعة 22 مايو 2020

كتب – إيهاب زكريا:

في حلقات يومية، وخلال شهر رمضان المبارك، يقدم “مصراوي” للقارئ الكريم قصص الأنبياء، استنادا لمصادر معتبرة في السيرة والتاريخ الإسلامي. وفي الحلقة التاسعة والعشرين يقدم “مصراوي” قصة: (زكريا عليه السلام)، قال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}، سورة الأنبياء، بعد أن دعا زكريا عليه السلام بنى إسرائيل لعبادة الله لقى من بني إسرائيل وحكامهم ومن قومه الأذى الكثير، وتوالت عليه الأهوال العظام والشدائد الثقال فصبر عليه السلام الصبر الجميل حتى وهن العظم منه وضعف وخار واشتعل الشيب في رأسه. نبأه الله تعالى وجعله رسولًا إلى بني إسرائيل، يقول تعالى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}، سورة مريم.

كفالته مريم ابنة عمران

اقترع العلماء الأحبار على كفالة مريم بطرحُ الأقلام في نهر الأردن وقالوا، من صعد قلمه فوق الماء فهو أحق بها، فذهبوا إلى ذلك النهر وألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم، فأخذها زكريا عليه السلام وكفلها وضمنها إلى خالتها “أم يحيى” واسترضع لها حتى كبرت ووضعها في غرفة في المسجد لا يرقى إليها إلا بسلم ولا يصعد إليها غيره، وكان يغلق عليها الباب ومعه المفتاح لا يأمن عليه أحدًا، وقد كان نبي الله زكريا عليه السلام يرى من عجائب قدرة الله تعالى من الكرامات في حفظ هذه السيدة الطاهرة العفيفة ما يبهر العقول، يقول الله سبحانه:{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، سورة آل عمران.

رزق لا مثيل

كان نبي الله زكريا عليه السلام إذا دخل على مريم عليها السلام في المحراب يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، وهذه من الكرامات التي يُكرم الله تعالى بها أولياءه، وقد كانت السيدة الجليلة مريم عليها السلام من الصالحات العابدات تقوم بالعبادة ليلها ونهارها، حتى صارت يُضرب بها المثل بالعبادة والطاعة في بني إسرائيل، ولقد اشتهرت هذه السيدة الطاهرة العفيفة بما ظهر عليها من الأحوال الكريمة والصفات الشريفة.

دعاء زكريا عليه السلام ربه

بعد رؤيته عجائب مريم عليها السلام، رغب في الولد على الكِبر وكانت امرأته عاقرًا، فطلب من ربه أن يرزقه غلامًا تقيًا يرثه في العلم والنبوة ويعلم الناس الخير، يقول الله تبارك وتعالى: {هُنالِكَ دَعَا زكريَّا ربَّهُ قالَ ربِّ هَبْ لي مِن لدُنْكَ ذُرِّيَّةً طيِّبةً إنَّكَ سميعُ الدُّعاء} سورة آل عمران.

وقال زكريا: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا}، سورة مريم، العصبة، وكأنه خاف من تصرفهم بعده في بني إسرائيل بما لا يوافق شرع الله تعالى وطاعته، وقال زكريا: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}، سورة مريم، أي يرثني في العلم والنبوة والحكم في بني إسرائيل، يعني كما كان آباؤه وأسلافه من ذرية يعقوب، وليس المراد هاهنا وراثة المال.

البشرى بالولد

بشرته الملائكة: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}، سورة آل عمران، وقال تعالى:{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} أي لم يكن قبله من تَسمى بهذا الاسم.

قال تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}، سورة مريم، لأنه كبر وعتا أي عسا عظمه ونحل، وكان عمره آنذاك تسعًا وتسعين سنة وكان عمر زوجته ثماني وتسعين سنة وكانت عاقرًا لا تلد، قال تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}، سورة مريم.

قال تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}، أي خلقتك ولم تكن شيئًا مذكورًا أفلا يوجد منك ولد وقد كنت شيئًا مذكورًا، جلّ الله الخالق الذي هو على كل شيء قدير، قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}، سورة مريم.

استجاب الله تبارك وتعالى سؤاله، وخرج نبي الله زكريا عليه السلام على قومه من محرابه مسرورًا بالبشارة، قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، سورة مريم، واستجاب الله تبارك وتعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}، سورة الأنبياء.

مقتله عليه السلام

قال الله تعالى عن اليهود قتلة الأنبياء: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا}، سورة النساء. فقتله اليهود المجرمون، قال تعالى عن إجرام اليهود وقتلهم الأنبياء: {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}، سورة البقرة، ولقتله روايتان.

الرواية الأولى:

لما شاع الخبر في بني إسرائيل أن مريم عليها السلام حامل اتهمها بعض الزنادقة بيوسف النجار الذي كان يتعبّد معها في المسجد، واتهمها آخرون بزكريا عليه السلام لذلك عزموا على قتله، فأمسكوا به ثم نشروه بالمنشار، وقتل عليه السلام ظلمًا بأيدي اليهود المجرمين ومات شهيدًا صلى الله عليه وسلم.

الرواية الثانية:

لما قُتل ابنه نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام بأمر الملك الظالم حاكم فلسطين “هيرودس”، أرسل هذا الملك في طلب أبيه زكريا عليه السلام فاستخفى عليه السلام منهم، فدخل بستانًا ومر بشجرة عند بيت المقدس فنادته الشجرة بمشيئة الله: هلُمَّ إليّ يا نبي الله، فلما أتاها عليه السلام انشقت بقدرة الله ومشيئته فدخلها فانطبقت عليه وبقي عليه السلام في وسطها، فأتى عدو الله إبليس اللعين فأخذ هُدْبَ رداء زكريا عليه السلام فأخرجه من الشجرة ليصدقوه إذا أخبرهم، ثم لقي القوم الذين خرجوا في طلب زكريا عليه السلام وكان متشكلًا لهم بصورة رجل.

فقال لهم: ما تريدون؟

فقالوا: نلتمس زكريا.

فقال لهم: إنه سحَر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها.

فقالوا له: لا نصدقك!

قال لهم: فإنّ لي علامة تصدقونني بها، فأراهم طرف ردائه.

فأخذوا الفؤوس وقطعوا الشجرة وشقوها بالمنشار فقتل نبي الله زكريا فيها ومات شهيدًا، وقد سلط الله تبارك وتعالى عليهم أخبث أهل الأرض فانتقم منهم، والله عزيز ذو انتقام.

صحة الروايتين:

وفي النهاية هل هذه الروايات صحيحة؟.

ذكر الطبري أن فساد بني إسرائيل الأول كان بقتل زكريا عليه السلام، وأن فسادهم الثاني كان بقتل يحيى عليه السلام، وليس في قتلهما نص ثابت.

وقد نص ابن كثير في البداية والنهاية أنهما ممن قتل قبل تسليط بختنصر على بني إسرائيل، وقد ذكر أيضاً حديثاً في قتلهما، ولكنه ضعفه ونسبه إلى النكارة.

وقد وردت عدة آثار عن الصحابة والتابعين في قتلهما ذكرها الطبري وابن كثير، والظاهر أنها مأخوذة من أهل الكتاب.


مصدر الخبر

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*