ليبيا: تأكيد في مجلس الأمن على أهمية عدم الإفلات من العقاب “على الجرائم الخطيرة” المرتكبة على نطاق واسع

وقد عقد مجلس الأمن الدولي جلسته بشأن ليبيا مساء يوم الخميس بتوقيت نيويورك، وقدّم كريم خان إحاطته للمرة الثانية أمام المجلس بشأن ليبيا، كاشفا النقاب عن استراتيجية جديدة ترتكز على إعطاء أولوية للوضع في ليبيا وتوفير الموارد اللازمة والتعاون مع السلطات لتعزيز جهود المساءلة ودعمها.

وأوضح أن التقرير الجديد المقدم أمام المجلس هو “محاولة جيدة في مساعي تحديد المعايير وصياغتها للمرة الأولى في تقرير مكتب المدّعي العام من حيث الجداول الزمنية لعمل معيّن حتى يتم أيضا محاسبتنا، وأن أضمن أيضا أننا نقوم بعمل أفضل فيما يتعلق بالمضي قدما بالأمور.”

استراتيجية تحقيق متجددة

أشار السيد كريم خان إلى الاستراتيجية الجديدة بإطار عمل يضمن تحقيقا أكثر ديناميكية وتأثيرا.

وقال: “قلتُ أمام المجلس من قبل أنني سأضع الإحالة التي يقدمها مجلس الأمن إلى مكتبي كأولوية. هذا يتطلب موارد كبيرة ومهارات أكبر وإلحاحا أكبر بسبب المسؤولية التي تضطلع بها هذه الهيئة في الحفاظ على السلم والأمن.”

وفي نفس الوقت، سلط الضوء على الحاجة المتزايدة للتركيز على عدد من الجوانب، من بينها الجانب المادي للتحقيق والتعقّب في حالة ليبيا، والتركيز على الجرائم الجنسية والقائمة على النوع الاجتماعي والجرائم ضد الأطفال والتي تؤثر عليهم.

دور التكنولوجيا في التحقيق

كما سلّط الضوء على أهمية الإدراك بأن تسخير التكنولوجيا أمر حيوي للغاية. إذ تتطلب مجموعات البيانات الضخمة التي تعتبر السمة المميزة لنوع الجرائم ضمن اختصاص المحكمة الاستفادة بطريقة متكاملة من أحدث التقنيات المتاحة للذكاء الاصطناعي، ومنصات الترجمة الخاصة بأدوات التعلم الآلي التي تسمح بترجمة البيانات الجماعية بشكل فعّال.

وتابع يقول: “آمل أن يكون لهذا الأمر تأثير عميق جدا على التحقيقات، بعبارات بسيطة جدا، أنواع الأدلة، الفيديو، البيانات الصوتية، والطبية، ومجموعة كاملة من البيانات الإلكترونية.. يجب جعلها أكثر مرونة ويسهل الوصول إليها للتحقيق فيها.

UN Photo/Eskinder Debebe

تمكين الضحايا والشهود

شدد كريم خان على الحاجة إلى العمل “جنبا إلى جنب مع الضحايا والناجين في مجتمعات فعّالة.

وقال: “دون شك يتمتع الضحايا والناجون بكل حق في أن يُنظر إلى حياتهم وآمالهم ومعاناتهم بعناية وما إذا كانت هناك مسؤولية جنائية يجب تقديمها أمام محكمة مستقلة.”

وأكد أنه بمجرد العمل بهذه الطريقة، مع كل من الضحايا والناجين والدول، “ستكون لدينا بوصلة أفضل، وبوصلة أكثر دقة، ستساعدنا على السير في طريق نحو الحقيقة وفصل الحقيقة عن الخيال، ومعرفة سبب حدوث أشياء معيّنة.”

ولفت الانتباه إلى الحاجة إلى أن “نكون في الميدان، نتعلم ونستمع وأن نكون قادرين على الوصول إلى الجوانب الخفية من حالات ما.

الانخراط مع السلطات الليبية

أوضح السيد خان أهمية الانخراط مع السلطات الليبية بشكل أفضل ووثيق. وقد أجرى في وقت سابق من اليوم مناقشات مع مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشأن كيفية الشراكة مع ليبيا وتحسين خطوط الاتصالات.

وأكد أن تحقيق العدالة يكون أفضل داخل الدولة نفسها، لكن فقط عندما لا تكون الدولة راغبة في ذلك أو غير قادرة على القيام بذلك، يأتي دور المحكمة.

وقال: “لذلك أريد أن أنظر في طرق يمكن من خلالها تقديم المساعدة التقنية وتحسين الاتصالات فيما يتعلق بما يلزم، وتحديد الفجوات لمساعدة الإجراءات الوطنية على تحمّل عبء المسؤولية بشكل أكثر فعالية من أي وقت مضى.”

وأعرب عن أمله في أن تكون لديه تفاعلات على مستويات رفيعة مع السلطات الليبية وإقامة نهج أكثر منهجية وتنظيما للمناقشات على مستوى العمل بين مكتبه والسلطات الليبية.

وقال: “كنت آمل في الذهاب إلى ليبيا خلال فترة التقرير الأخير.. ولكن بسبب عدد من المشكلات والجداول الزمنية واللوجستيات والانتخابات، لم يكن ذلك ممكنا. ولكنني آمل في الفترة الحالية المشمولة في التقرير أن أتمكن من الذهاب إلى ليبيا ودفع الأمور إلى الأمام.”

وأكد أنه جرت محادثات على المستوى الفني، فيما يتعلق بمساعدة السلطات الليبية، لكي تكون لديها القدرة من حيث الطب الشرعي والمقابر الجماعية.


البلدة القديمة في بنغازي، ليبيا، وقد تعرضت للتدمير بسبب القنابل والقتال.

© UN Photo/Abel Kavanagh

البلدة القديمة في بنغازي، ليبيا، وقد تعرضت للتدمير بسبب القنابل والقتال.

وقال: “من الواضح أنه لا يمكننا أن نعتبر أن أهداف المحكمة الجنائية الدولية هي جلب كل شيء إلى المحكمة في لاهاي، لقد قلت مرارا وتكررا إن المحكمة الجنائية الدولية هي الملاذ الأخير.. لكننا بحاجة إلى طرق أكثر إبداعا وخيالا وفعالية للحصول على الأدلة في قاعات المحاكم أينما كانت.”

الطريقة التي يمكن العمل فيها بشكل محسّن وثني القوس فيها نحو العدالة، هو عبر العمل معا باستقلالية وفعالية

وأكد في ختام كلمته أنه في مثل هذه الأشكال من الجرائم، لا يمكن العمل بمفردنا، عندما ترقى تلك الجرائم إلى إبادة أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب.

تصبح حماية الشهود مشكلة حقيقية في العديد من المناطق في العالم. والطريقة التي يمكن العمل فيها بشكل محسّن وثني القوس فيها نحو العدالة، هو عبر العمل معا باستقلالية وفعالية، وفحص الأدلة التي يتم الحصول عليها من أي مصدر، ومحاولة التأكد من أن الأدلة موثوقة وهناك العديد من الوسائل الطبية الشرعية المجربة والمختبرة للقيام بذلك.”

وأشار إلى وجود تحديات، فالأوضاع السياسية والأمنية التي تتعامل معها السلطات الليبية صعبة ومتغيرة، وقد تحمل تأثيرا على التحقيقات، على حدّ قوله.

وتابع يقول: “سأستمر في وضع المزيد من المعايير حتى نتمكن من ضمان إثبات المسؤولية الهامة التي كفلها هذا المجلس في القرار 1970. والأهم من ذلك، أن الضحايا والناجين ليسوا منسييّن، نحن نضعهم في مركز الصدارة ونتأكد من أن حقوقهم يتم الدفاع عنها بشكل صحيح وكامل وبأفضل ما لدينا من قدرات.”

وأشار عدد من أعضاء مجلس الأمن إلى أهمية ألا يفلت أحد من العقاب. وتحدث آخرون عن مواصلة المحكمة التحقيقات في الحالات مثل ترهونة حيث وجدت مقابر جماعية، وفقد المئات من الأشخاص، وشددوا على أهمية أن تضع المحكمة آليات فعّالة تحمي الشهود وربما نقلهم خارج ليبيا خاصة مع الهجمات على المهاجرين وبعضهم ناجون من تلك الهجمات.

ليبيا: تحقيق العدالة اختصاص سيادي

قال مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر السنّي، إن تحقيق العدالة على الأراضي الليبية “هو اختصاص سيادي وولاية قضائية وطنية، من أجل مقاضاة أي متهم وفقا لقانون العقوبات الليبي الذي يعكس السيادة الليبية على إقليمها ومواطنيها.”

وشدد على أن القضاء الليبي ملتزم بضمان محاكمة عادلة ونزيهة لكل المطلوبين.

وقال: “لذلك نعيد التأكيد بأن تعاوننا مع المحكمة حسب الولاية الممنوحة لها، يأتي في إطار مذكرة التفاهم الموقعة بين مكتب النائب العام الليبي ومكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، كدور مساعد للقضاء الليبي، ولكنه ليس بأي شكل من الأشكال بديلا عنه.”

ورحب بالاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وتابع يقول: “يحدونا الأمل في أن تساهم هذه الاستراتيجية في دعم مكتب النائب العام الليبي، من أجل تنفيذ مسار العدالة وعدم الإفلات من العقاب.

حماية المهاجرين غير الشرعيين


من الأرشيف: مهاجرون يجلسون في باحة مركز احتجاز في ليبيا.

© UNICEF/Alessio Romenzi

من الأرشيف: مهاجرون يجلسون في باحة مركز احتجاز في ليبيا.

وأكد الطاهر السني حرص بلاده على حماية المهاجرين غير الشرعيين ضد أي انتهاكات قد يتعرّضون لها بسبب الأزمة الراهنة.

وقال: “رغم كل التحديات، فإننا نقوم بما يمكن لحمايتهم وإنقاذهم والعمل على ترحيلهم متى أمكن ذلك.”

وأكد رفض بلاده التام وإدانتها لأي خروقات أو انتهاكات قد يقوم بها “بعض الخارجين عن القانون، والتي تعتبر أعمالا فردية نعمل على التصدي لها.”

لكن، شدد على أن بلاده لن تقبل بأي محاولات من بعض الدول لخلق وفرض ظروف “من شأنها تصدير أزماتهم لنا وتأسيس مبدأ التوطين في مخالفة للقوانين والتشريعات الوطنية.”

ودعا في ختام كلمته إلى احترام الملكية والقيادة الليبية للحل الشامل، واحترام ما توصل إليه الليبيون من توافق وخارطة الطريق ومخرجاتها.

وقال: “نؤكد للجميع أن المؤسسات القضائية الوطنية قادرة على إرساء العدالة رغم كل التحديات التي تمر بها البلاد، ويكمن التحدي الأكبر هنا في القدرة على إنفاذ القانون، وهذا يتطلب دعمكم لكافة الجهود الوطنية لبناء المؤسسات ودعم الاستقرار وإنهاء كافة أنواع التدخلات في ليبيا.”


مصدر الخبر

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*