(تحليل إقتصادي): معادن تقنيات الطاقة الرقمية… تهديد الندرة والنضوب

زيادة الاستهلاك العالمي تتجاوز حجم الطلب المعروض في السنوات المقبلة

وسط التزايد المضطرد للطلب العالمي وتطلع ملايين في الدول الناشئة إلى ‏أنماط الحياة الحديثة، تتجدّد المخاوف حول ندرة ‏المعادن، ونضوب الموارد، ولا سيما نقص معادن أساسية لتقنيات مستقبل الطاقة الرقمية الجديدة الصديقة للبيئة، كالخلايا الكهروضوئية، والسيارات ‏الكهربائية كـ«الإنديوم»، و«الليثيوم»، و«التيلّوريوم»، و«الجرمانيوم»، وأخرى تصنف ضمن قائمة «العناصر الأرضية النادرة».
وينتظر أن يبحث مؤتمر التعدين الدولي الذي تنظمه وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية الأسبوع المقبل في العاصمة الرياض، القضايا والتحديات التي تواجه التعدين عالمياً؛ حيث ستجمع 2000 مختص وصانع سياسات ومستثمرين وقادة الأعمال من 100 دولة.
ويمثل المؤتمر منصة دولية لمناقشة تحديات وتطورات قطاع التعدين إقليمياً وعالمياً وتنميته ومستقبله اعتماداً ‏على 3 محاور رئيسية هي رسم ملامح جديدة لقطاع التعدين، وتقديم مناطق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا باعتبارها أراضي ‏للفرص التعدينية، ومساهمة قطاع التعدين في التنمية المجتمعية.‏
واطلعت «الشرق الأوسط» على نتائج دراسات مرجعية، حول التحديات الماثلة لواقع التعدين عالمياً، من بينها ما قام به الباحثون هاقيليكون، ودريسلدر مان، وبروك، في كتاب بعنوان «المواد الثمينية»، وبحث عنوانه «الإنتاج التعديني» في مجلة المسح الجيولوجي البريطانية، وكذلك دراسة للعالم كروسون، معنونة بـ«اقتصاديات التعدين»، وبحث بعنوان «توافر الإنديوم والجاليوم» قاما به العالمان جاسون وميكولاجزاك.

– مخاطر ماثلة
تجمع الدراسات على أن المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية الاجتماعية، مثل النزاعات الإقليمية، أو علاقات العمالة في دول في ‏أفريقيا وآسيا، تبرز كأهم المخاطر لما قد تؤديه من وقف توريد المعادن، ولا سيما الحساسة منها، لأن الأماكن التي تنتجها تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة، مشيرة كذلك إلى ما قد يسببه تحدي العوائق التجارية من تفاقم للمشكلة، ‏إذ إن الاستثمار في المعادن محفوف بالمخاطر، نظراً لصعوبة استخراجها، ولأن أسواقها صغيرة ومعقدة ومتقلبة، مقارنة ‏بأسواق النحاس والحديد والألمونيوم.

– نادرة ناضبة
في هذه الظروف، تؤكد الدراسات تزايد الطلب على معادن الإلكترونيات بشكل كبير منذ 4 عقود؛ حيث الإنتاج العالمي المتراكم ‏من «الجاليوم»، والعناصر الأرضية النادرة، ومجموعة معادن «البلاتين»، و«الإنديوم»، مستمر النمو الحالي والمستقبلي، بينما يجري التنقيب عن أغلب المعادن المستخدمة في صناعة الإلكترونيات في أماكن محدودة قليلة. وبحسب الدراسات، في عام 2011 كان 72 في المائة ‏من إنتاج «كوبالت» في العالم يأتي من جمهورية الكونغو ‎الديمقراطية، و57 في المائة من «الإنديوم» يأتي من الصين، وهي معادن يتم إنتاجها بكميات قليلة.
بيد أن أصعب النتائج هي ما توصّلت بعض الدراسات من حقيقة ندرة ونضوب معادن التقنيات الرقمية، وأنه بات «أمراً حتمياً» مع تنامي الاستهلاك وتجاوزه مستوى ‏الاحتياطات الحالية‎، لكن في مقابل التوقعات المتشائمة تأتي فكرة ماثلة حول أنّ الاحتياطات الأرضية متغيرة، إذ تتسع بالتزامن مع ‏ارتفاع أسعار المعادن، وانخفاض تكلفة استخراج الخامات منخفضة الجودة.

– التصنيع الإلكتروني
حتى وقت قريب كانت معادن التصنيع الإلكتروني ذات جدوى اقتصادية محدودة، ولذلك ‎لم يكن هناك دافع للبحث عنها، ونتيجة ‏لذلك، وفق نتائج الدراسات، غير معلوم كثير عن توزيعها في الأرض، أو العمليات الطبيعية التي ساعدت على تركيزها‎.‎ ومع تقدُّم العلوم سيكون من الممكن إعادة فحص مناطق التعدين القديمة، واستكشاف آفاق جديدة فيها.

‎- إعادة التدوير لا تكفي
تقدم المعادن الثانوية، التي يعاد تدويرها من المنتجات منتهية الصلاحية، موارد إضافية قيمة، لكن المخزون الثانوي لا يلبي ‏الطلب العالمي المطرد، كما أن إعادة التدوير تخضع لقيود تقنية‎، كما توضح الدراسات.
وتُستخدم معادن التقنية في كثير من التطبيقات، من الهواتف الجوالة إلى السيارات، إذ يدخل نحو 60 عنصراً مختلفاً في تصنيع ‏المعالجات الدقيقة ولوحات الدوائر الإلكترونية‎، التي تُستخدَم بكميات ضئيلة، وغالباً بتكوينات لا تُوجَد في الطبيعة‎.‎
وتؤكد الدراسات، كذلك، أن تحديد دورة حياة المعادن الحيوية ينطوي على عدة تحديات؛ حيث كميات المعادن منخفضة، ولا يقوم بعمليات ‏الاستخلاص والمعالجة وإعادة التدوير سوى شركات قليلة، إضافة إلى أن السرية التجارية تجعل الحصول على البيانات والاتصالات في ‏غاية الصعوبة‎.‎ من جانبها، أشارت مجلة «نايتشر» العلمية المتخصصة، إلى إمكانية توفير أغلب المعادن اللازمة لتصنيع الأجهزة الإلكترونية ‏في أوروبا والمملكة المتحدة من خلال إعادة التدوير، لكنها استطردت: «رغم أهمية التدوير لإدارة مخزون المعادن الصناعية الشائعة، فإن تطبيقها ‏على معادن التقنيات يعد أمراً معقداً للغاية… هناك معادن من المستحيل استعادتها بعد استخدامها، وهناك معادن يمكن استعادتها، ولكن ‏دون جدوى عملية».
وشددت على أن مزيداً من المصادر الأساسية مطلوب لتلبية الطلب المتنامي على المعادن، وتعويض معادن التقنية المفقودة، في وقت لا ‏بد من فهم أفضل للعمليات الجيولوجية التي تتركز فيها المعادن، لزيادة فعالية استخراجها وتجنب أي تأثير ضار على البيئة، مع وضع خريطة لكل معدن على حدة.

– ضغط الطلب
ومع الحاجة العالمية إلى زيادة الإنتاج المعدني «الحساس» إلى 7 أضعاف لتلبية الطلب العالمي على المدخلات المطلوبة لتغذية اقتصاد الكربون الدائري، قامت دول بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وكندا وأستراليا وأعضاء الاتحاد الأوروبي بإعداد قوائم بالمعادن المهمة بسبب مخاوفها المتعقلة بحدوث نقص العرض مستقبلاً.
ويبرز تساؤل هنا حول جدية القلق من حدوث نقص في المعروض، إذ تشير الدراسات إلى أن إمكانات التعدين التي يمكن استغلالها، كنموذج في دولة كالسعودية، وكذلك مناطق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا، ستلعب دوراً كبيراً في تحقيق مستقبل مستدام للمعادن واستخداماتها.

– السعودية… ثروة تعدينية
تشير التقديرات إلى أن الدرع العربي (غرب السعودية) يحتوي على ما قيمته 1.3 تريليون دولار من القيمة المعدنية المحتملة، تتمثل في كثير من المعادن، بما في ذلك النحاس والفوسفات والذهب وخام الحديد والمعادن الأرضية النادرة.
وتوجد فرص لتحقيق نمو كبير للغاية في المعادن، من شأنه أن يجعل من السعودية بارزة عالمياً في سلاسل القيمة المعدنية على مستوى العالم؛ حيث إن زيادة إنتاج الفوسفات ستضع المملكة بين أكبر 3 منتجين عالميين، في حين أن هناك فرصة لزيادة إنتاج تعدين الذهب بأكثر من 10 أضعاف، كما يمكن أن يتضاعف إنتاج الفولاذ، بينما توجد إمكانية للتوسع في سلاسل القيمة الجديدة من «اليورانيوم» و«التيتانيوم» والعناصر الأرضية النادرة كـ«النيوبيوم» و«التنتالوم».
ومع اكتشاف المملكة لأكثر من 5300 موقع تعديني منذ السبعينات الميلادية، فإن ثروتها التعدينية الهائلة تؤهلها للعب دور كبير ومهم في تلبية الطلب العالمي المستقبلي المتزايد على المعادن، وتقليل مخاطر سلسلة التوريد، من خلال توسيع الانتشار الجغرافي لعمليات التعدين.

– طلب غير مسبوق
عدم التوافق بين العرض والطلب، بحسب صندوق النقد الدولي، سيفرز فجوة في مستقبل استخدامات المعادن؛ حيث يتوقع تقرير صدر عنه، أن التحول إلى الطاقة النظيفة، اللازم لتجنب آثار تغير المناخ، يمكن أن يطلق العنان لطلب غير مسبوق على المعادن في العقود المقبلة، ويتطلب ما يصل إلى 3 مليارات طن. من جانبه، أشار البنك الدولي في تقرير حديث إلى أن بعض المعادن مثل النحاس و«الموليبدينوم»، ستستخدم في مجموعة من التقنيات، بينما قد تكون هناك حاجة إلى تقنيات أخرى كـ«الجرافيت» و«الليثيوم»، لتقنية واحدة فقط هي تخزين البطارية، ما يعني أن أي تغييرات في نشر تكنولوجيا الطاقة النظيفة يمكن أن يؤدي إلى نقص في الطلب على بعض المعادن. إلى ذلك، أشار تقرير في مايو (أيار) 2021 عن وكالة الطاقة الدولية إلى أنه بحلول عام 2030 ستكون إمدادات «الليثيوم» و«كوبالت» قادرة فقط على تلبية نصف متطلبات التوقعات العالمية، مفيدة أن إنتاج النحاس قد ينخفض بنسبة 25 في المائة عن الاستهلاك. ومما يثير القلق، بحسب التقرير، أن المهلة الطويلة لتطوير المشروعات، وتدهور نوعية الاحتياطيات، يؤديان إلى تفاقم عدم التوافق بين إمدادات معادن تحول الطاقة الحرجة وطموحات المناخ العالمي، فيما يرجح أن ما يضاعف من مشكلات الإمداد المتوقعة هو حقيقة أن عمليات الإنتاج والمعالجة لكثير من المعادن المهمة تتركز بشكل كبير في عدد صغير نسبياً من الدول. الأمر الذي يشكل تهديداً بالاضطراب الناجم عن عدم الاستقرار السياسي والمخاطر الجيوسياسية والقيود المحتملة على الصادرات.

– منظومة واحدة
في السنوات الخمس الماضية، تصاعدت المخاوف حول توفر معادن تصنيع الإلكترونيات، من مجرد الخوف من النضوب الفعلي، إلى افتراض من قبل بعض صُنّاع القرار أن إعادة التدوير هي الحل، لكن ‏الأمر يتطلب منهجاً شاملاً، بحسب الدراسات. وتجب مراعاة المصادر الأولية والثانوية في إطار منظومة واحدة مع رصد للبيانات الإحصائية الأساسية في الصناعة، مع الحاجة إلى إقامة حوار بين شركات الإنتاج والمعالجة والاستهلاك والتدوير، كما ينبغي على واضعي القرار فَهْم كيفية ‏استخدام معادن التقنيات ومزجها، وتأثير ذلك على الجدوى الاقتصادية والبيئية لتدويرها.





مصدر الخبر

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*