حكاية شارع .. قسطنطين كفافيس رفض الهجرة من الإسكندرية بعد غزو الإنجليز


انطلاقًا من دور الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، انطلقت فكرة مشروع “حكاية شارع“، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات المهمة التى أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع، وذلك من خلال وضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسمائهم على الشوارع، والذين يشكلون قيمة تاريخية وقومية ومجتمعية لمختلف فئات الشعب المصرى، ولهذا نستعرض يوميًا شخصية من الشخصيات التى لهم شوارع تحمل أسمائهم، حسب ما جاء فى حكاية شارع للتنسيق الحضارى، واليوم نستعرض شخصية المؤرخ قسطنطين كفافيس، والذى له شارع يحمل اسمه بالقاهرة.


 


ولد الشاعر قسطنطين بتروس فوتياديس كفافيس، الذى اشتهر باسم كفافيس، بأحد منازل شارع شريف بالإسكندرية فى 29 إبريل عام 1863. وكان والداه “بتروس، و”خاريكليا” أو “هاركليا” المنحدران من عائلة “فوتياديس” قد هاجرا من إسطنبول إلى الإسكندرية.


 


وكان والد كفافيس تاجرًا كبيرًا بالغ الثراء، ويقال إنه أول من أدخل صناعة حلج القطن فى مصر، وكان له مصنعان فى كفر الزيات، ومتاجر فى منيا البصل، ومكتب حاصلات زراعية فى زيزينيا بالإسكندرية، ومكتب آخر فى الموسكى بالقاهرة، كما كان صديقًا للخديو “إسماعيل”، الذى أهداه “الوسام المجيدي” فى افتتاح قناة السويس، كما كان الخديو سعيد أيضًا صديقًا لهذه العائلة اليونانية.


 


وقد أنجب والد كفافيس من الأبناء تسعة أصغرهم كفافيس الشاعر، وكان لكفافيس أخوان يمارسان الرسم كهواية، وآخر إخوته كان يهوى الموسيقى، وهو ما قد يوضح أسباب ميول كفافيس الفنية، وحينما بلغ كفافيس السابعة من عمره توفى والده فى 10 أغسطس 1870، عن خمسة وخمسين عامًا، ودفن بمدافن الأسرة فى الشاطبى.


 


وكانت أمه فى السادسة والثلاثين حين مات زوجها، ولم تنجب الأم غير ابنة واحدة هى أخته “هيلليني”، التى لم تعش طويلًا، وجاء هو فى أعقابها، ومن ثم كان بالنسبة لأمه آخر العنقود وكما يقولون لم ينعم طفل بحنان أمه قدر ما نعم كفافيس، الذى شب خجولاً منطويًا لا يعتمد على نفسه فى شيء، تسارع أمه إلى تلبية طلباته، وتحشد الخدم لخدمته، وقد تعلم القراءة والكتابة فى المنزل، وكانت له مربية ومدرس خاصان يقيمان فى بيتهم بشارع شريف.


 


لم يحصل كفافيس على شهادة جامعية، ولم ينتظم فى تعليمه لكنه استكمله بنفسه فيما بعد من خلال قراءاته الخاصة، وكان كفافيس يجيد إلى جانب لغته اليونانية، الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، واهتم فى دراساته بالتاريخ اليونانى والكلاسيكيات والأدب الأوروبى بوجه عام.


 


أما عن أسفاره فقد أمضى بعض سنوات طفولته فى إنجلترا، كذلك أمضى عامين من سنوات شبابه فى إسطانبول، وزار فرنسا، لكنه لم يزر أثنيا إلا لفترة زمنية قصيرة بين عامى 1900 و1901، وكان ذلك للمرة الأولى فى حياته، أى عندما كان فى حوالى السابعة والثلاثين من عمره.


 


وقد رأى كفافيس فى صباه غزو الإنجليز الغادر للإسكندرية وقذفها بالقنابل عام 1882؛ فكان على خلاف كثير من أجانب ذلك العهد، تألم لضرب مدينته العريقة، ولم تطاوعه نفسه، عندما شب عن الطوق، على الهجرة من الإسكندرية الحبيبة رغم الدعوات التى وجهت إليه للإقامة فى أثنيا.


 


واضطر للسفر مع أمه وأسرته إلى الآستانة بعد الاعتداء على الإسكندرية، وأقاموا عند جده، ثم عاد عام 1885، وكانت آخر أسفاره عام 1932، عندما مرض بسرطان فى الحنجرة، وسافر إلى اليونان للعلاج ثم أصر على العودة إلى الإسكندرية، ولكنه كان قد فقد القدرة على الكلام.


 

وظائف كفافيس


استطاع كفافيس الحصول على وظيفة فى وزارة الرى بمكتبها بالإسكندرية فى عام 1889، وتدرَّج فى سلم الوظيفة، فأصبح فى إبريل 1892 كاتبًا بمرتب قدره سبعة جنيهات، ثم بلغ مرتبه أربعة وعشرين جنيهًا فى يناير عام 1913.


 


وفى شهر أبريل 1922 استقال من عمله وخلد إلى العزلة، فقد ماتت أمه عام 1899، وفارق من بعدها إخوته وأحباءه وأحس بالوحشة، لكنه ظل ملتصقًا بمدينته لا يغادرها رغم الدعوات الكثيرة التى وجهت إليه من الأوساط الأدبية فى أثينا، ولم يكن كفافيس يحب ثرثرة الناس، ولا العقول الجوفاء، لهذا كان يعتكف فى صومعته خافتة الضوء، إذا زاره ضيف يحبه أضاء له شمعة ثانية، فإذا ضاق بالضيف أطفأ الشمعة إيذانًا بانفضاض الجلسة.


 

بدايته الشعرية وانطلاقه


بدأ كفافيس نظم الشعر منذ فترة مبكرة، ربما بعد عودته من الآستانة عام 1885 وعلى وجه التحديد عام 1886، ونشرت أول قصيدة له عام 1891، ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية حياته لم يتوقف عن تأليف الشعر، وكتابة المقالات والملحوظات النقدية والدراسات المتنوعة فى المجلات والدوريات التى كانت تصدر فى الإسكندرية، وإستانبول، وأثينا، وغيرها من العواصم الأوروبية.


 


وإلى جانب ما نشره كفافيس فى المجلات والدوريات، وما أصدره بنفسه فى كتيب عام 1904 يحتوى على 14 قصيدة أعاد نشرها من جديد عام 1910 مع سبع قصائد أخرى، كان ينشر عادة قصائده متفرقة بعد أن يتم نسخها على وريقات توزع باليد على مريديه ومحبيه، ومن أجل هذا السبب بالتحديد يصعب أن نجد قصائده محفوظة بذات العنوان أو الصورة من التأليف، إذ كان يقوم بتعديلها أو تقييمها كل فترة، أو يقوم بطبعها ثم نشرها مرة أخرى.


 

وفاته


بعد أن أمضى كفافيس حوالى ثلاثين عامًا فى الإسكندرية، سافر إلى أثينا لأنه أصيب بمرض السرطان فى الحنجرة، وخضع للعلاج فترة، ثم رجع إلى الإسكندرية، لكن حالته ازدادت سوءًا فدخل مستشفى الجالية اليونانية بالإسكندرية، وفى 29 إبريل 1933 فاضت روحه إلى بارئها، عن عمر يناهز سبعة وسبعين عامًا.


 


وقد تحول بيت كفافيس فى الإسكندرية، الذى يقع خلف مسرح سيد درويش فى محطة الرمل لمتحف، كان قبلها فندقًا يسمى “بنسيون أمير”، واشترته القنصلية اليونانية فى الإسكندرية وحولته لمتحف عام 1991.


لافته شارع كفافيس


مصدر الخبر

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*