أخيراً… أولمبياد طوكيو يُبصر النور رسمياً في أجواء تفتقد «الروح الأولمبية»

بعد تأجيل عام كامل وتحدي كثير من العقبات… حفل الافتتاح ينطلق اليوم من دون قائده بملعب خال من الجماهير

آلاف من الرياضيين… إمكانات ضخمة… تنظيم رائع… ينطلق اليوم «أولمبياد طوكيو» الصيفي بعد تأجيل تاريخي من العام الماضي بسبب فيروس «كورونا»، ثم جدلية مستمرة حيال إقامتها أو إلغائها، لتبدأ الألعاب وسط قيود مشددة وحظر جماهيري أجنبي ومحلي.

ولأول مرة؛ سيكون الهدف الرئيسي من تجميع كل الرياضيين من أنحاء المعمورة في قرية واحدة مفقوداً بالدورات الأولمبية، مما سيفقد الألعاب «الروح الأولمبية».

ومع وصول آلاف من الرياضيين إلى القرية الأولمبية، كان من المنتظر أن تعج المدينة بنشاط من نوع خاص، وأن تظهر فيها الحياة على غير المألوف في طوكيو التي انتظرت هذه الألعاب للمرة الأولى منذ 1964، ولكن الحال تبدو على النقيض تماماً في ظل حالة الطوارئ المفروضة وحظر التجوال والإجراءات الاحترازية المطبقة لمواجهة تفشي الإصابات بفيروس «كورونا».

وعلى الملعب الأولمبي؛ الذي استضاف ألعاب 1964 وأعيد بناؤه ليتسع لـ68 ألف متفرج، سيحضر ألف شخص من المدعوين؛ بينهم نحو 15 فقط من زعماء العالم، حفل افتتاح كانت المدن تتنافس فيما مضى لجعله الأكثر إثارة في تاريخ الألعاب المقامة مرّة كل 4 سنوات.

وسيكون الافتتاح (الثامنة مساء بالتوقيت المحلي، 11 صباحاً بتوقيت غرينيتش) بحضور الإمبراطور ناروهيتو، مناسبة لتكريم ضحايا كارثة محطة فوكوشيما النووية في مارس (آذار) 2011 إثر زلزال مدمّر بقوة 9 درجات قبالة الساحل الشمالي الشرقي وتسونامي هائل أدى إلى انصهار نووي وتلويث المناطق المجاورة بالإشعاع.

وأشار إمبراطور اليابان خلال استقباله الألماني توماس باخ رئيس «اللجنة الأولمبية الدولية» عشية حفل الافتتاح، إلى أن بلاده انصاعت للاختيار الأصعب بإقامة الأولمبياد في ظل أزمة وباء «كورونا»، وأن القرار لم يكن بالأمر السهل.

وقال ناروهيتو: «في ظل هذه الظروف، فإن إدارة دورة الألعاب وفي الوقت نفسه اتخاذ المعايير الممكنة كافة ضد وباء (كورونا)، لم تكن بالأمر السهل. أود الإشادة بكل من شارك في العمل على تحقيق هذا الحلم وتحويله إلى حقيقة».

في المقابل؛ تعهد باخ بأنه سيتم بذل أقصى جهد ممكن لتجنب تعريض الشعب الياباني للخطر.

وكانت الألعاب المؤجلة من صيف 2020 قد واجهت رحلة طويلة من التعقيدات، هدّدتها في بعض الأحيان بأن تصبح أول ألعاب حديثة بعد الحرب العالمية يتم إلغاؤها. حينها؛ أمل المسؤولون اليابانيون أن تكون «دليلاً على انتصار البشرية على الفيروس». لكن تصاعد حدّة «كورونا» عالمياً وظهور مزيد من المتحوّرات المعدية، خفّض حدّة النغمة المنتصرة وأثار معارضة متزايدة داخل البلاد.

والآن حان وقت الاحتفال، ولو أن الألعاب ستكون منقوصة من أبرز مكوّناتها؛ أي الجماهير الغائبة عن مدرجات أنفق اليابانيون الغالي والنفيس لبنائها أو تجديدها.

وفي حين يُتوقع أن يكون هذا الأولمبياد نسخة باهتة من الاحتفالات السابقة، يحاول المنظمون التعويض على المشاهدين بالاعتماد على التكنولوجيا في بث ابتكارات متطوّرة ليتمكنوا من عيش الحدث عبر التلفاز.

أنشأت شركة «أو بي إس (خدمات البث الأولمبية)» تسجيلات صوتية من ضوضاء الجماهير في الألعاب السابقة لتتكيف مع كل رياضة، وسيتم بثها في أماكن المنافسات. وسيتمكّن الرياضيون أيضاً من تلقي التشجيع من خلال شاشات عرض لمشاهد فيديو (سيلفي) مرسلة من كل أنحاء العالم، والتواصل عن طريق الفيديو مع أحبائهم بمجرد انتهاء مسابقاتهم.

وتعبيراً عن دعم المساواة بين الجنسين وترسيخ مبدأ العدالة العرقية، غيرت «اللجنة الأولمبية الدولية» قواعدها وطلبت من كل دولة اختيار رياضي ورياضية لحمل العلم خلال طابور العرض.

وسيكون محمد صبيحي؛ الفائز بذهبية أولمبية في المصارعة أول مسلم يحمل علم بريطانيا في الألعاب بجانب هانا ميلز. وقال صبيحي: «إنه لشرف أن تتم دعوتي لحمل علم بريطانيا. إنها لحظة أيقونية في الأولمبياد وسيتذكرها الناس على مر السنين».

وسيكون باتي ميلز، لاعب سان أنطونيو سبيرز في دوري السلة الأميركي للمحترفين، أول أسترالي من السكان الأصليين يحمل علم البلاد في حفل الافتتاح. ويحمل العلم الأميركي كل من نجمة كرة السلة المخضرمة سيو بيرد (40 عاماً)، بجانب لاعب البيسبول إيدي ألفاريز كوبي الأصل.

ورغم التدابير القاسية المتخذة قبل وصول المشاركين في الأولمبياد بالخضوع لعدة فحوصات، فإن ذلك لم يمنع ظهور بعض الإصابات لدى الرياضيين وإداريي البعثات في الأيام التي سبقت حفل الافتتاح.

ولتجنّب ارتفاع عدد الإصابات، فرض المنظمون حظراً على المعانقة أو المصافحة خلال الاحتفالات بتحقيق النصر. ويتعيّن عليهم ارتداء الكمامات طوال الوقت باستثناء فترات تناول الطعام، والنوم، والتنافس، ويسمح لهم فقط بالتنقل بين القرية الأولمبية وباقي المنشآت الرياضية.

وواجه الأولمبياد انتكاسات كثيرة منذ عام 2015 بعد سنتين من منح حق الاستضافة، عندما أعيد مشروع بناء الملعب الرئيسي إلى نقطة البداية نظراً لتكلفته المرتفعة، فيما كبّد التأجيل نفقات إضافية بقيمة 2.6 مليار دولار.

وفي حين استقال رئيس اللجنة التنظيمية الياباني، تسونيكازو تاكيدا، في 2019 بسبب اتهامات بالرشى من أجل دعم ملف طوكيو، استقال رئيس اللجنة المنظمة يوشيرو موري في فبراير (شباط) الماضي بعد تلميحات مهينة بحق النساء. كما تنحت وزيرة الألعاب سيكو هاشيموتو من منصبها في الحكومة، لتحلّ بدلاً منها «مستر» موري. ولم يتوقف الأمر على ذلك؛ بل انتقل لمصممي حفل الافتتاح، فبعد تقدّم المؤلف الموسيقي كيغو أويامادا الذي شارك في تصميم حفل الافتتاح باستقالته، على خلفية قصة تنمر قديمة بحق رفاق له أيام الدراسة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك المدير الإبداعي لحفلي الافتتاح والختام هيروشي ساساكي بعد زلة لسان شَبَّهَ فيها ممثلة كوميدية بدينة بالخنزير، كانت الزوبعة الأخيرة أمس فقط، وتمثلت في إقالة مخرج حفل الافتتاح كنتارو كوباياشي، الشخصية المسرحية المعروفة في اليابان، على خلفية مشهد هزلي منذ أكثر من عقد من الزمن تطرق فيه إلى «قضية الهولوكست – المحرقة اليهودية».

وقالت رئيس اللجنة المنظمة للألعاب سيكو هاشيموتو: «تبين أنه خلال عرض سابق، استخدم (كوباياشي) لغة سخرت من حقيقة مأساوية في التاريخ، لذا قررت اللجنة المنظّمة إعفاءه من منصبه».

لكن بغض النظر عن كل المشكلات، يشعر كثير من الرياضيين بالسعادة لخوض المنافسات. وفيما يغيب بعض نجوم التنس المحترفين مثل الأميركية سيرينا ويليامز والسويسري روجر فيدرر، ونجوم الغولف البارزين مثل داستن جونسون وسيرخيو غارسيا، ما زالت الدورة الأولمبية مشهداً للعديد من أبرز النجوم العالميين مثل لاعبة الجمباز الأميركية سيمون بايلز الفائزة بأربع ميداليات ذهبية في «ريو دي جانيرو 2016»، ومواطنتها العداءة المخضرمة شيلي آن فريزر برايس والسباحة كاتي ليديكي.

وقال نجم رمي الرمح الألماني يوهانس فيتر: «ستكون دورة مختلفة، ولكنها ما زالت دورة أولمبية، وهذا هو المهم. أرغب في الفوز بالميدالية الذهبية».

وقالت عداءة المسافات المتوسطة الألمانية كاترينا غرانز: «التلاقي بين البعثات لن يحدث كما كان في الماضي. لكن الرياضيين سيجدون فرصة للتركيز على الألعاب».

ولم يتضح بعد ما إذا كان الفائزون بـالـ339 ميدالية ذهبية في الـ33 رياضة يستطيعون الطواف بأعلامهم الوطنية في أماكن خالية. ولن يكون لدى الرياضيين الروس فرصة لرفع أعلام بلادهم بسبب العقوبات المفروضة نتيجة أزمات المنشطات. وسيخوض الرياضيون الروس المنافسات تحت العلم الأولمبي مثلما حدث في دورة الألعاب الشتوية 2018 في بيونغتشانغ بكوريا الجنوبية.

وللمرة الثانية على التوالي، بعد «أولمبياد ريو دي جانيرو 2016»، يخوض فريق من اللاجئين فعاليات الدورة الأولمبية، بـ29 رياضياً ورياضية.

ويأمل العرب وضع بصمتهم على لائحة الذهب، وستكون فرصتهم في منافسات ألعاب القوى وسباقات المسافات المتوسطة والطويلة.





مصدر الخبر

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*